القائمة الرئيسية

الصفحات

الطائر الذي ينام وهو في يطير في السماء

الباتروس أو القطرس أضخم كائن حي يطير على وجه الأرض، ويسميه البعض الآلة الطائرة” أو “المحرك الطائر” ويتميز بجناحيه العملاقين اللذين يصل نطاق طولها معاً إلى 11،5 قدم أو أكثر يمكنه قطع المسافات الطويلة بسرعة كبيرة حيث يمكن للأبوين أو أحدهما قطع 10 آلاف ميل لتوصيل الطعام لصغاره  

ويتميز الباتروس بإخلاصه لحياته الزوجية وحرصه على حياته الاجتماعية القائمة على التفاعل الجماعي المستمر وأسفاره وتنقلاته الجماعية. ويذهب بعضهم إلى القول إن أي كائن حي يمكنه قطع مسافات تصل إلى ملايين الأميال مزوداً بطاقة نقية نظيفة ومتجددة خالية تماماً من الغازات السامة والضارة لا بد أن يكون طائر الباتروس الذي يحسن استغلال الريح وقانون الجاذبية في حين تكافح الطيور الأخرى للتغلب على الرياح وتياراتها القوية أو التكيف معها

طائر الباتروس الذي تعتبر نيوزيلندا موطناً حقيقياً له معظم أوقاته محلقاً فوق مياه البحار والمحيطات ولا يتنازل بالهبوط على الشواطئ إلا في موسم التزواج والتكاثر، ونادراً ما يمشي على البر برجليه اللتين تشبهان الملعقة إضافة إلى أنه ليس مغرماً بالمشي. وأظهرت عمليات المراقبة لسلوك طيور الباتروس التي تصل أنواعها إلى نحو أربعة وعشرين نوعاً أنها تتصرف سواء كانت في حالة طيران أو مشي على الشواطئ بزهو وجمال ودلال، وأن أشهراً قد تمضي قبل رؤيتها على اليابسة. ولوحظ أن عمليات تزاوج وتكاثر الباتروس شهدت تراجعاً ملحوظاً في العقود الأخيرة، لكن جماعات ومنظمات تنشط للبحث في تحديد وإزالة التهديدات والعقبات التي تعرقل عمليات التكاثر التي تتطلب حركات وطقوساً خاصة من الذكر وأخرى من الأنثى، كما أن رعاية الفراخ الحديثة الولادة تتطلب تعاوناً وجهداً مشتركاً من الأبوين لحمايتها من تقلب الظروف المناخية اليومية من الثلوج إلى الأمطار إلى أشعة الشمس وتعليم هذه الفراخ كيفية التأقلم مع متغيرات الطقس. وبسبب صعوبات الحياة وخاصة الحصول على الغذاء فإن أي زوج من طائر الباتروس لا يستطيع وضع أكثر من بيضة واحدة في موسم التكاثر، كما أن رعاية فرخ واحد حتى يبلغ حد الاعتماد على نفسه تحتاج إلى عام من الجهد المشترك من الأبوين اللذين يحتاجان إلى عام آخر من الراحة والهدوء ولاستعادة الصحة والوزن والقوة للتكاثر مرة أخرى. ويقوم بيتر مور عالم الأحياء في دائرة حماية البيئة والطبيعة في نيوزيلندا بمراقبة تصرفات الأعداد الضخمة التي تقدر بالآلاف من هذا الطائر العملاق على شواطئ جزيرة كامبل أثناء موسم التزاوج وهي تبني أعشاشها وسط الأعشاب وترقد فوق بيضها وقد أخفت رأسها تحت جناحها حيث يبدو كل طائر من بعيد مثل تمثال البورسلين الأبيض الجميل الضخم نظراً لنقاء بياضه الثلجي ووجود الفئران والجراذين بأعداد كبيرة والكلاب التي تحرس قطعان الأغنام يهدد سلامة بيض طيور الباتروس وأعشاشها، لكن السلطات النيوزيلندية شنت حملة ضد الفئران والجرذان عام 2001 لحماية هذه الطيور التي تنتمي إلى فصيلة “رويال باتروس” أو الفصلية الملكية. ولدى مراقبة هذه الطيور اتضح أن أحد الأبوين الذي يتولى مهمة احضار الطعام للفراخ يقوم بتحويله إلى سائل زيتي ثقيل القوام، وبعد وصوله إلى العش يضع منقاره على مدخل منقار فرخه الصغير ويصب فيه ذلك السائل كما لو أنه يقوم بملء خزان أو مستودع، وقد تستغرق هذه العملية نحو 15 دقيقة وقد تمضي عدة أسابيع قبل تكرارها تنمو خلالها الفراخ الصغيرة بشكل ملحوظ، ويتعرف الآباء والأمهات إلى الصغار ليس بالحجم أو الشكل وإنما بالصوت والرائحة. وتستضيف جزيرة “ميدواي أتول” في أرخبيل جزر هاواي الأمريكية في المحيط الهادي أكبر مستعمرة أو محمية للحياة البرية وفيها نحو نصف مليون زوج من طيور الباتروس وهو أضخم عدد في العالم، حيث تنتشر هذه الطيور حالياً في كل مكان على الشواطئ وفي الوديان والتلال وعلى أسطح المنازل وفي حدائقها وساحاتها وفي المروج وتحت الأشجار. وحينما تشتد الرياح تبدأ جميع الطيور صغيرة وكبيرة في الخفقان بأجنحتها وتحريكها والتصفيق بها لاختيار مدى لياقتها وقدرتها، كما تركض الفراخ الصغيرة بمرح لمسافات محدثة ذلك الصوت بأجنحتها تحت أنظار الآباء والأمهات حيث يطير بعض الصغار بكل بدائي ليس فيه مهارة أو خبرة ويعلو ويهبط كما يذهب الجميع إلى البحر لتبدو أجنحة طيور الباتروس الكبيرة مثل الأشرعة وليرسم الجميع لوحة جميلة على امتداد البصر  


وأظهرت دراسات وأبحاث حول حياة طيور الباتروس في المحيط الهندي أن الفراخ والصغار تنفق بنسبة 40% خلال أول شهرين من تفقيسها إما بسبب الجوع أو انعدام الخبرة في التعامل مع ظروف الحياة. وفي هذا المعنى تقول بيث فلينت عالمة الأحياء في الهيئة الأمريكية للأسماك والحياة البرية “إن طيور الباتروس هي الأكثر تعرضاً لتهديدات الحياة بين جميع الطيور وإنه قد تهلك عشرات من هذه الطيور في يوم واحد بسبب زوارق وسفن الصيد حيث يقدر عدد الطيور التي تموت سنوياً من خلال هذه الممارسات البشرية بمئات الآلاف”.       وفي جزر فوكلاند البريطانية في جنوب المحيط الأطلسي يمكن لقارب صيد أن يقتل ما يصل إلى 140 من طيور الباتروس التي مات منها 38 ألف زوج خلال العقد الماضي حسب تقديرات نك هيوون من هيئة الحفاظ على الطبيعة في تلك الجزر. وقد تنفق هذه الطيور بسبب غرقها أسفل القارب أو بعد أن تجرفها بقوة زعانف وفراشات ومروحيات محركاته الظاهرة على هيكله الخارجي من الأسفل أو نتيجة وقوعها في شباك الصيد أو فخاخ خاصة وتشابك أجنحة الطيور بخيطان بلاستيكية أو أسلاك رفيعة ممتدة من تلك الشباك والفخاخ.    وخلال عام 1988 كان عالم الأحياء الاسترالي نيجل براذرز أول باحث يعكف على دراسة هذه الظاهرة وتحليل أسبابها بعمق محاولاً التوصل إلى مقترحات وأفكار لوقفها أو الحد منها على الأقل، ويقول: “إن صيد السمك عمل شاق وصعب، وليس لدى الصيادين كثير من الوقت والجهد اللذين يمكن تخصيصهما لإنقاذ طائر الباتروس أو سلحفاة أو أي كائن بحري آخر، لأنهم منهمكون في عملهم المتعب لتحصيل أرزاقهم وأقواتهم من خلال مراقبة شباكهم وانتشالها وتفريغها”. لكن براذرز وزميله ايريك جيلمان من معهد “بلو أوشين” لدراسة الأحياء البحرية يواصلان العمل مع صيادي السمك لتنفيذ بعض المقترحات والأفكار العملية التي تساعد في الحد من قتل قوارب الصيد لطيور الباتروس، مثل إدخال بعض الأوزان أو الإضافات الخشبية أو المعدنية أو إدخال بعض التعديلات على مقدمة القارب أو مؤخرته أو جانبيه بهدف إبعاد تلك الطيور أو تفاديها.وكانت نتيجة تجربة هذه التعديلات والأفكار تراجع نسبة قتل الطيور البحرية من مختلف الأنواع بواسطة سفن وقوارب الصيد بنسبة 97% في منطقة جزر هاواي على حد قول براذرز الذي قال إن هذا لا يزال غير كاف وإنه يريد تعميم هذه النسبة وهذه 

على مستوى الدول منفردة وأخرى على مستوى منظمات وتجمعات مثل منظمة دول حماية الحياة البحرية ومصادرها في قارة أنتاركتيكا لتوفير أسباب الحمالة والسلامة لطيور الباتروس. ويقول صاحب إحدى شركات صناعة صيد وتعليب وبيع الأسماك إنه إذا تمكن أنصار حماية البيئة والطبيعة من تحويل مسألة لتصبح قضية رأي عام فإن ذلك يلحق الضرر بالشركات والمؤسسات التي تتصل بموضوع هذه القضية ويشوه سمعتها مما يعني أنه ليس هناك من خيار أمام الجميع إلا التعاون لتعزيز سلامة طيور الباتروس والحد من موتها. وهذا الطائر البديع في ألوان منقاره ورأسه وما حول عينيه، وذيله يواجه أخطاراً تهدد حياته، ومعظم هذه الأخطار هي من صنع الإنسان أو له صلة بها بشكل أو بآخر ونريد لهذا الطائر القادر على أن يجوب العالم ويطوف في كل بحاره ومحيطاته أن يبقى قادراً على ذلك وأن يطوف مراراً ويعود ولا نريد له ذهاباً إلى حياة أخرى بلا عودة، ومما لا شك فيه أن هناك كثيراً من الأشخاص والجهات والمنظمات التي تستطيع المساهمة في الإبقاء على حياة الباتروس وعودته من كل رحلة يقوم بها مهما طالت

المصدر:الفجر

تعليقات