القائمة الرئيسية

الصفحات

مراحل نشوء الماسونية - الحلقة الرابعة

 عزا بعض الكتاب أصول الماسونية التاريخية لرسائل (إخوان الصفا) – تلك الجمعية السرية التي نشأت في البصرة في القرن الرابع للهجرة، والذين كتب أعضاؤها رسائلها الاثنتين والخمسين في شتى أنواع المعرفة.
ويمكننا بصفة عامة، تقسيم تاريخ الماسونية إلى مرحلتين:
1-   المرحلة الأولى: أو الماسونية القديمة – والتي لا نستطيع أن نحدد بدايتها على وجه الدقة، لكنها تميزت بأن أعضاء الجمعيات الماسونية فيها كانوا من العمال في حرفة البناء. وقد وصلت تلك المرحلة إلى عصرها الذهبي في القرون الوسطى، التي شهدت حركة تشييد الكنائس والكاتدرئيات على نطاق واسع خاصة في بريطانيا. وقد اعتاد عمال بناء هذه الأبنية الخاصة على كتمان أسرار مهنتهم وعدم قبول أحد من الدخلاء فيها، حتى أن أسرار مهنتهم كانوا يتوارثونها جيلاً بعد جيل، ولم يكونوا ليبوحوا بها إلا للمتدربين معهم، وكانوا بطبيعة الحال من أبنائهم وأقاربهم. وكان أولئك العمال يقضون أوقات راحتهم في أماكن خاصة قريبة من مواقع العمل، سميت "بالمحافل" والتي كانت بمثابة نقابات مهنية، ومراكز اجتماعية في آن واحد. حيث كانوا يتبادلون الأخبار، ويطرحون مشاكلهم على بساط البحث، ويناقشون الأمور المتصلة بمهنتهم وأسرارها، وحماية مصالحهم المشتركة. ويقال إن هذا هو مرجع التأكيد على سرية ما يقال في المحافل وكتمانه.
2-   المرحلة الثانية، أو الماسونية الحديثة، أو "الرمزية" وبدأت عام 1600 في اسكتلندا. وفي نهاية القرن السابع عشر، كانت الحركة مقتصرة على الأرستقراطيين، الطبقات المهنية العليا.
وفي 14 يونيو 1717 تقرر توحيد المحافل التي كان عددها قد وصل إلى أربعة محافل في لندن – في محفل واحد سمي "المحفل الأعظم" TheUnited Grand Lodge ولا يزال موجوداً حتى اليوم "ينشر فكره في مجلة دورية ولدت معه تحمل الاسم اللاتيني Aro Buarteyr Conorium.
وفي سنة 1723 ظهور أول كتاب في الماسونية باسم "القوانين" ألفه القس "جيمس أندرسون" وقد جاء فيه: "إن الماسوني كان يلقن أن لا يكون كافراً عبثاً، وألا يكون مفكراً حراً غير متدين، وأن يحترم السلطات المدنية، وألا يشترك في الحركات السياسة!".
وقد زعم أندرسون في كتابه هذا أن الأستاذ الأكبر للماسونيين، والذي أنشأ المحفل الماسوني الأول هو النبي موسى. وأن الملك سليمان كان الأستاذ الأعظم للمحفل الماسوني في القدس!.. وأطال القول في تفاصيل هذه المزاعم الباطلة.
ومن أقدم الوثائق التي تتعلق بالماسونية تلك التي ضمنت الوصايا The Charges والتي نسخها "داود كاسلي" بخطه، وتاريخها المدون هو سنة 1734م، وهي محفوظة في المتحف البريطاني بقسم الأناجيل في الخزانة رقم 17 الرف أ، وقد جاء فيه: "يضع كل عضو جديد يدخل الجمعية كفه في كف القيم، ثم يعطى نسخة من الوصية العامة".. ثم ذكر الوصية المنظومة شعراً: "فرض على الأخ، حُبُّ الله، والكنيسة المقدسة، وسيده الذي يصحبه، وليحفظ المبادئ الثلاثة كما يحفظ حياته، ولا يخطو خطوة دون رأي سيده الذي يجب أن يتبعه في المقاصد النبيلة، ولا يكشف أمره، ولا يبح لأحد بسره، ولا يحيد قيد شعرة لما يأمره به المحفل في جميع الأحوال، ومهما كان الأمر. وحيثما ذهب".
ومن بريطانيا انتشر أخطبوط الماسونية (الحديثة)، فتأسس بإشراف محفل بريطانيا الأعظم.
1-   أول محفل ماسوني في جبل طارق سنة 1728.
2-   أول محفل ماسوني في باريس سنة 1732، 1725م
3-   أول محفل ماسوني في ألمانيا سنة 1733.
4-   أول محفل ماسوني في البرتغال سنة 1735
5-   أول محفل ماسوني في سويسرا سنة 1745.
6-   أول محفل ماسوني في هولندا والدانمرك سنة 1745 أيضاً.
7-   أول محفل ماسوني في الهند سنة 1752.
8-   أول محفل ماسوني في إيطاليا سنة 1763م.
9-   أول محفل ماسوني في بلجيكا سنة 1765.
10-  أول محفل ماسوني في روسيا سنة 1771.
11-  أول محفل ماسوني في السويد سنة 1773.
وقد ظهرت الماسونية للمرة الأولى في أمريكا مع مجيء المستعمرين الإنجليز والاسكتلنديين والأيرلنديين في أوائل القرن الثامن عشر وفي سنة 1907 كان عدد المحافل العظمى في أمريكا يزيد على خمسين محفلاً، يتبعها آلاف المحافل العادية، وينخرط في عضويتها أكثر من مليوني أمريكي.
ويفوق عدد الماسونيين في أمريكا الآن عددهم في أي بلد آخر (حوالي 4 ملايين). وتأتي بريطانيا في الدرجة الثانية (نصف مليون). ويمكن إعطاء فكرة عامة عن قوة الماسونية الحديثة إذا علمنا أنه حتى سنة 1952 كان هناك في العالم 9000 محفل تابع للمحافل الرئيسية الثلاثة (الإنجليزية والاسكتلندية والأيرلندية).
وثمة نوعان من الماسونية في الغرب: الماسونية التقليدية Conservative M وهي التي تتسم بها محافل بريطانيا وألمانيا والدول الإسكندنافية والولايات المتحدة الأمريكية، وليس لها نشاطات معارضة للحكومة، والماسونية الحديثة Modern M   وهي الموجودة في فرنسا، وجنوب أوروبا، وأمريكا اللاتينية، ولها نشاطات سياسية متعددة.
والجدير بالذكر أن الماسونية في بداية ظهورها في اسكتلندا كانت تعرف باسم "الماسونية الحرة" أما الماسونية الألمانية فكانت تعرف بالماسونية النورانية.
يرى الأستاذ نجدت فتحي صفوة أن أقدم وجود للماسونية في البلاد العربية هو المحفل الذي أسس في القاهرة عام 1798 بعد حملة نابليون، وكان اسمه "محفل إيزيس". وفي سنة 1838 أسس في القاهرة أيضاً، محفل ممفيس، فيما يرى د. علي شلش أن أقدم محفل ماسوني في مصر، هو محفل الأهرام الذي تأسس سنة 1845، وذلك استناداً إلى كتابات شاهين مكاريوس، وجورجي زيدان، وأن ستينيات القرن الماضي شهدت إنشاء محفلين آخرين تحت رعاية محفل "الشرق الأعظم الفرنسي" هما محفل "نهضة اليونان" الذي تأسس في الإسكندرية في 9 نوفمبر 1863، ومحفل النيل، الذي تمت الموافقة على دستوره الرمزي في 23/3/1868.. ثم تأسس بعد ذلك أول محفل مصري يتحدث فيه الأعضاء بالعربية (محفل نور مصر). ويفهم من تتبع تاريخ الماسونية في مصر أنها بدأت أجنبية اللغة، وكان أعضاؤها في غالبيتهم من الأجانب، وعندما تم تشكيل "الهيئة الماسونية المصرية الجديدة" على الطريقة الاسكتلندية باسم (الشرق الأعظم الوطني المصري) سنة 1876 – والذي أصبحت المحافل المصرية جميعاً تابعة له – انتخب الإيطالي "سوليتوري زولا" رئيسياً له. وفي عام 1887 انتخب الخديوي توفيق باشا رئيساً لذلك المحفل. ويبدو أن العصر الذهبي للماسونية في مصر وصل إلى ذروته في الربع الأخير من القرن الماضي عندما دخل في الماسونية بعض زعماء الإصلاح الذين اشتهروا في ذلك الوقت ويؤكد الأستاذ نجدت، والدكتور شلش، وغيرهما – أن السيد جمال الدين الأفغاني كان ماسونياً. والأستاذ نجدت يورد في كتابه "الماسونية في الوطن العربي" نفس نص الرسالة التي جاءت في دراسة د. شلش التي نشرت في مجلة "المجلة" , والتي يطلب فيها (أي الأفغاني) قبوله عضواً في أحد المحافل الماسونية في مصر، إلا أن د. نجدت أسند هذه المعلومة بشكل أدق، فبينما نجد د. شلش يقول حول أصل رسالة الأفغاني. بأنها اكتشفت من بين أوراق الأفغاني الخاصة التي نشرتها جامعة طهران سنة 1963، نجد أن الأستاذ نجدت يدلل على أصلها بأنه "محفوظ مع أوراق جمال الدين الأفغاني ورسائله في جناح خاص في مكتبة البرلمان الإيراني"، وقد نقل صورة زنكوغرافية لها إسماعيل تائين في كتابه "دار النسيان والماسونية في إيران" باللغة الفارسية، كما نقل نصها د. علي الوردي في كتابه "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث". وفيما لا يجد د. شلش أصلاً لاسم المحفل الذي انضم إليه الأفغاني، نجد أن الأستاذ نجدت يحدد ذلك المحفل بأنه محفل "كوكب الشرق" التابع للمحفل الأعظم الإنجليزي. وفي تطور آخر نجد أن تلك المحافل تتدخل في الأمور السياسية – عكس ما كان يشاع عنها – وأن هذا التدخل كان يختلف من فترة إلى أخرى باختلاف الظروف والأحداث التي تعرف الماسونية كيف تتعايش معها وتستفيد منها، ففي أثناء انتساب الأفغاني للماسونية، كان النشاط السياسي الذي يمارسه يبدو عدائياً من وجهة نظر الإنجليز، الذين كانوا يحتلون مصر، ولا يبدو كذلك من وجهة نظر الفرنسيين، ولذا فإن تأسيس الأفغاني لمحفل ماسوني جديد برئاسته تابعاً "للشرق الأعظم الفرنسي" كان له دوره في القرار الذي اتخذه الإنجليز بنفيه من مصر. 

تعليقات